تزاوج البشر مع الحيوانات، ما بين الأساطير و الحقائق العلمية 2

ما بين الأساطير و التاريخ

في جميع الحضارات القديمة كان هناك آلهة و مخلوقات خارقة تجتمع في أجسادها صفات البشر و الحيوان. في مصر الفرعونية مثلا كان إله الشمس رع يتخذ شكل إنسان برأس صقر في حين كان إله الحكمة تحوت يتجسد في صورة رجل برأس طائر أبو منجل أما إله الموتى و الحياة الآخرة أنوبيس فقد كان له رأس ابن أوى ، و إضافة إلى هذه الآلهة فقد زخرت مصر الفرعونية بالعديد من الأرباب و الوحوش الخرافية الهجينة الصفات ، لعل أشهرها في هذا المجال هو تمثال أبو الهول. و لم تقتصر هذه الوحوش على الحضارة الفرعونية بل عرفتها جميع الأمم القديمة ، و تنوعت أشكالها و صفاتها ، مثل الثيران المجنحة الآشورية و الحوريات و القنطور .. إلخ ، و هذه المخلوقات العجيبة كان بعضها من صنع الإلهة في حين كان بعضها الأخر هو نتاج لعلاقة جنسية آثمة بين البشر و الحيوانات ، فالمينوتور مثلا هو وحش خرافي إغريقي جسدته الأساطير القديمة على شكل إنسان برأس ثور و هو كما تخبرنا الأسطورة نتاج لعلاقة جنسية بين ملكة كريت و ثور أبيض جميل أرسله الإله بوسيدون كهدية إلى زوجها الملك مينوس لكي يضحي به.

و بعيدا عن الأساطير القديمة فإن العلاقة الجنسية بين الإنسان و الحيوان لم تكن محض خرافة، بل كانت تمارس أحيانا ضمن طقوس و شعائر دينية و سحرية ، فعلى سبيل المثال ذكر عدد من المؤرخين الإغريق و الرومان بأن بعض الكاهنات الفرعونيات كن يمارسن الجنس مع الجدي المقدس (الذي يربى في المعبد) ، و إن هذه الممارسة كان لها بعد ديني و أحيانا كانت تمارس بشكل علني. و يبدو إن هذه الممارسة كانت معروفة و متفشية في جميع الحضارات القديمة لذلك ورد ذكرها و تحريمها صراحة في التوراة و العهد القديم.

تمثال من أحد المعابد الهندوسية تصور رجلا و هو يمارس الجنس مع حصان
في أوربا، هناك نقش حجري في شمال إيطاليا ‏ يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد تحتوي إحدى نقوشه على صورة لرجل يمارس الجنس مع حمار، و في السويد عثر علماء الأثار في بعض المقابر التي تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد على نقوش تصور ممارسات جنسية بين الإنسان و الحيوان. أما الإغريق فقد أشارت بعض مصادرهم صراحة إلى ميل بعض نسائهم لممارسة الجنس مع ذكر الوعل ( حيوان يشبه الغزال) و كيف كن يفضلنه على الرجال! أما الرجال أنفسهم فكانوا يفضلون أنثى الماعز!

و لم يخلو العهد الروماني من ممارسات جنسية غريبة ذكرها بعض المؤرخون في كتبهم، إحداها هي قيام بعض النسوة بوضع أفاعي صغيرة في فروجهن من أجل اللذة الجنسية و كذلك من أجل تبريد الجسم في فصل الصيف الحار!!
 أما داخل حلبة الموت الرومانية فقد إتخذ الجنس مع الحيوان طابعا ملحميا، فقد ذكر المؤرخون بأن الرومان كانوا لديهم طريقة خاصة لتدريب بعض الحيوانات الوحشية على ممارسة الجنس مع النساء و الرجال ، و كانوا يستعملون هذه الحيوانات أثناء عروض الموت التي كانت تتمتع بشعبية كبيرة ، فكانوا يطلقونها على النساء اللواتي يضحى بهن داخل الحلبة فيقوم الحيوان بإغتصابهن في ممارسة جنسية كاملة ، و كانت المرأة الضحية غالبا ما تترك بعد اغتصابها لكي يقتلها الحيوان ، و هذه الممارسة الهمجية كانت من أكثر العروض شعبية و إثارة للحماس لدى الجمهور الروماني.

أما في الهند فهناك نقش نافر مشهور على جدار أحد المعابد الهندوسية يجسد رجلا هنديا يمارس الجنس بشكل علني مع حصان في حين تقف إلى جانبه إمرأة و هي تغطي وجهها بيدها تعبيرا عن اشمئزازها.

العرب أيضا عرفوا ممارسة الجنس مع حيوانات مثل النوق و الخيول، و قد وردت أحاديث نبوية شريفة في تحريم و تجريم هذا الأمر ، و الطريف أن بعض الناس في العراق و دول الخليج لازالوا يصفون المرأة الممتلئة الجميلة بـ "ناكة" أي ناقة!

الخلاصة التي نستقيها من هذه النبذة التاريخية المختصرة هي أن الجنس بين البشر و الحيوانات لم يقتصر على أمة أو قومية معينة بل عرفته جميع الشعوب و الأمم بدون إستثناء، من أقصى اليابان و حتى مراعي قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية.

البهيمية ما هي و على ماذا تطلق ؟
هي كلمة إغريقية معناها (حب الحيوان)، و أول من إستخدم هذا المصطلح هو العالم كرافت ايبنك سنة 1886 ، و قد أطلق هذا المصطلح تحديدا على كل ما يختص بمجال العلاقات الجنسية بين الإنسان و الحيوان ، سواء كانت علاقة جنسية كاملة أي الإيلاج و القذف أو مجرد المداعبة و اللمس مثل مداعبة الإنسان لأعضاء الحيوان التناسلية أو قيامه بالإستمناء على جسد الحيوان ، و يبدو أن مجال هذا المصطلح مطاط ، فهناك باحثون يستثنون أو يضيفون بعض الأمور إليه ، فبعضهم مثلا يعتبر مجرد اشتهاء الإنسان للحيوان جنسيا هو من ضمن البهيمية حتى لو لم يترافق هذا التشهي بفعل جنسي ، و منهم من يستثني السادية (أي العلاقة الجنسية المصحوبة بالعنف) ، و التي تكون الغاية الأساسية منها هي إلحاق الأذى بالحيوان. كما أن أغلب الباحثين يتفقون على إستثناء العلاقة العاطفية التي تنشأ بين الإنسان و حيوانه الأليف و التي تصل أحيانا إلى مستوى عالي من التعلق و الحب لكنها لا تتضمن أي ممارسات جنسية.
تزاوج البشر مع الحيوانات، ما بين الأساطير و الحقائق العلمية و تحريم الأديان‏
تزاوج البشر مع الحيوانات، ما بين الأساطير و الحقائق العلمية و تحريم الأديان‏
و البهيمية كذلك تتناول و تبحث في أثر الممارسة الجنسية على سلوك الإنسان و الحيوان أيضا، مثلا هل يمكن للحيوان أن يستمتع بممارسة الجنس مع الإنسان! فهناك العديد من الرجال و النساء ممن مارسوا البهيمية يزعمون أن شريكهم الحيواني يستمتع بالجنس معهم و أحيانا هو الذي يبادر إليه ، فالكلب على سبيل المثال يمكن تدريبه ليمارس الجنس مع الإنسان ، و هناك العديد من الرجال أو النساء ممن كتبوا عن تجاربهم الجنسية مع كلابهم. لكن أغلب الباحثين يجادلون بأنه، و بغض النظر عن مدى إستمتاع و إعتياد الحيوان على ممارسة الجنس مع البشر ، فهو في الحقيقية لم يتعلم إلا ما قام الإنسان بتدريبه عليه ، أي أن الحيوان لا يملك القدرة على الإختيار و ليس له حق الرفض و الإمتناع ، بل و لا يمكن أبدا معرفة ما إذا كان حقا يستمتع بالأمر حتى و لو بدا أنه يفعل.

لا يعرف على وجه الدقة مدى إنتشار البهيمية، فهناك إحصائيات قليلة و على نطاق ضيق في هذا المجال ، إحدى أقدم هذه الإحصائيات أجريت في الولايات المتحدة في أربعينيات القرن المنصرم و توصلت إلى أن حوالي 8% من الرجال و 4% من النساء مارسوا ، لمرة واحدة على الأقل في حياتهم ، علاقة جنسية كاملة أو جزئية مع حيوان ، و هذه النسبة يتركز معظمها (40 – 50%) في الأرياف. لكن إحصائية أخرى أجريت في ثمانينيات القرن المنصرم أظهرت تراجع هذه النسب بمقدار النصف تقريبا ، و السبب في ذلك يعود بنظر الباحثين إلى تقلص حجم الحياة الزراعية في أمريكا و تحول معظم البلدات الريفية إلى مراكز حضرية و بالتالي فإن إحتكاك الإنسان مع الحيوان إنخفض بنسبة كبيرة ، لكن تقلص هذه النسبة لا تعني تقلص الرغبة أو الشهوة ، إذ إنحصرت البهيمية في العصر الحديث بالحيوانات المنزلية الأليفة و على الأخص الكلاب ، ولكن لأن البهيمية ممنوعة قانونيا ، و قد تصل عقوبتها إلى السجن في بعض البلدان ، فمن غير الممكن معرفة نسبة إنتشارها الحقيقية في المجتمع لأن الناس يتخوفون من التحدث عنها بحرية ، إما خجلا أو خوفا من الفضيحة و العقوبة.

هناك بعض الباحثين يعتبرون البهيمية حالة مرضية نفسية تتطلب العلاج، و هناك أيضا من يعزوها إلى الكبت و العوز الجنسي ، و قد يفسر الكبت جزئيا سبب إنتشار الظاهرة في بلداننا العربية حيث يفرض المجتمع المحافظ قيودا شديدة على العلاقة بين الرجال و النساء لكنه لا يفسر لنا سبب انتشار و تفشي هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية ، و لذلك فأن معظم الباحثين في مجال البهيمية يعتقدون بأنها لا تتعلق بالكبت الجنسي فقط و لكن هناك أسباب مختلفة أخرى قد تدفع الإنسان لممارستها ، مثل حب التغيير و تجربة و إكتشاف شيء جديد. و هناك من الناس من يفضل الحيوان كشريك جنسي لأنه لا يتذمر و لا ينتقد و لا يفشي الأسرار و هو وفي و مطيع و هذه الصفات غالبا ما لا تتوفر في الشريك البشري.

البهيمية تهتم أيضا بالمخاطر الصحية التي يمكن أن تنشأ نتيجة الممارسة الجنسية بين الإنسان و الحيوان، و هذه المخاطر قد تنشأ أحيانا بسبب سلوك الحيوان عند ممارسة الجنس و التي تختلف عن السلوك البشري و تتسم أحيانا بحركات عنيفة كالعض أو الخربشة ، فالحيوانات عادة ما تستعمل مخالبها الحادة و أحيانا أنيابها لتثبيت أو مداعبة شريكها الجنسي و هذا سلوك خطير جدا بالنسبة للبشر و يمكن أن يؤدي إلى جروح خطيرة. إضافة إلى ذلك فأن تركيب الأعضاء التناسلية للحيوان تختلف عن تلك الخاصة بالإنسان لذلك قد تؤدي الممارسة الجنسية المتهورة إلى جروح خطيرة و أحيانا إلى نزيف مميت ، و هناك حوادث عديدة حول العالم في هذا المجال ، بعضها كان مميتا ، خصوصا عند الممارسة مع الحيوانات الكبيرة مثل الخيول ، و هناك حوادث مماثلة مع الكلاب لأن عضوها الذكري يمكن أن يؤدي إلى جروح خطيرة في مهبل المرأة عند عدم إتخاذ الحيطة و الحذر أثناء الممارسة.

 و بالإضافة إلى مخاطر العنف الجسدي فإن الإتصال البشري مع جسم الحيوان يمكن أن يؤدي إلى إنتقال العديد من الأمراض الخطيرة، فمثلا السائل المنوي للحيوانات يمكن أن يكون ناقلا مميتا لأنواع من الفيروسات و البكتريا التي يمكن أن تؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض خطيرة.

رأي الدين و القانون في البهيمية
جميع الأديان السماوية تحرم البهيمية و تعتبرها من الأمور الشنيعة الآثمة التي يجب على المؤمنين عدم إقترافها. فهي محرمة في اليهودية و المسيحية حيث وردت إشارة صريحة إلى البهيمية في العهد القديم من الكتاب المقدس إعتبرت الممارسة من الأمور الفظيعة و المنجسة التي تستحق القتل كما ورد في سفر اللاويين:
(23:18) : وَلا تَجْعَلْ مَعَ بَهِيمَةٍ مَضْجَعَكَ فَتَتَنَجَّسَ بِهَا. وَلا تَقِفِ ‎ ‎امْرَاةٌ امَامَ بَهِيمَةٍ لِنِزَائِهَا. انَّهُ فَاحِشَةٌ.
‏(15:20) : وَاذَا جَعَلَ رَجُلٌ مَضْجَعَهُ مَعَ بَهِيمَةٍ فَانَّهُ يُقْتَلُ وَالْبَهِيمَةُ ‎ ‎تُمِيتُونَهَا .
(16:20) : وَاذَا اقْتَرَبَتِ امْرَاةٌ الَى بَهِيمَةٍ لِنِزَائِهَا ‎ ‎تُمِيتُ الْمَرْاةَ وَالْبَهِيمَةَ. انَّهُمَا يُقْتَلانِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا .‎

أما في الإسلام فلا توجد آيات صريحة في القرآن الكريم تتطرق إلى موضوع البهيمية لكن المسلمون عموما و على إختلاف مذاهبهم و مدارسهم يتفقون على تحريم و استبشاع هذا الأمر و يستدلون في التحريم على بعض الأحاديث النبوية الشريفة و كذلك إلى بعض الإجتهادات الفقهية لأئمة المذاهب الإسلامية.

في الهند، تحرم بعض المدارس الهندوسية البهيمية و قد يتعرض من يمارس هذا الأمر إلى عقوبة شديدة خصوصا في حالة تدنيس الأبقار المقدسة.

البوذية أيضا تحرم البهيمية و تعتبرها من الأمور التي تجلب الأذى للنفس و للآخرين مثلها مثل الزنا و القتل و الإغتصاب.

إضافة إلى تحريم الأديان، فقوانين بعض الدول المتحضرة تعتبر البهيمية جريمة قد تصل عقوبتها إلى السجن ، كما في قوانين كندا و هولندا و أستراليا و نيوزلندا و كذلك في معظم الولايات الأمريكية ، و هناك دول لا توجد إشارة صريحة إلى البهيمية في قوانينها لكنها تمنعها و تعاقب عليها بإعتبارها من جرائم انتهاك حقوق الحيوانات و إيذائها. و الطريف أن هناك دول لديها قوانين قديمة تمنع أن يعيش الرجل العازب أو الوحيد مع حيوان أنثى ، ففي البيرو مثلا يحظر على الرجل العازب إمتلاك أنثى الالبكا في منزله.

إن منع و حظر البهيمية في القوانين يقترن بالدرجة الأولى بمدى إلتزام الدولة بحقوق الحيوان الرئيسية و مدى نشاط الجماعات المدافعة عن تلك الحقوق فوق أراضيها لذلك فأن أغلب الدول الغربية تحظر البهيمية و تعتبرها جريمة تستحق العقوبة أما في الدول العربية فيعتبر الحديث عن حقوق الحيوان من الأمور الطريفة و الموجبة للسخرية حيث إن حقوق البشر أنفسهم لازالت تنتهك باستمرار ، فما بالك بحقوق الحيوان !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بارانورمال تصميم عالم التقنية الجزائرية © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.